Monday, November 18, 2019

المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف


حديث: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف


         الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجِز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَر الله وما شاء فعل؛ فإن "لو" تفتح عمل الشيطان))؛ رواه مسلم(1).

يتعلق بهذا الحديث فوائد:

الفائدة الأولى: 

    في كل مؤمن خيرٌ بإيمانه بالله تعالى، ولكن أهل الإيمان يتفاوتون في منازلهم، فكلما كان المؤمن أقوى في إيمانه وعمله الصالح كان أحب إلى الله تعالى، فمن أراد زيادة المحبة له من الله تعالى وزيادة القربى والصلة بالله، فليكُنْ حريصًا على تقوية إيمانه، وليزدد من الله قربًا.

الفائدة الثانية: 

        ينبغي أن يكون المؤمن قويًّا في كل شيء، ذا همة عالية في أمر دينه ودنياه؛ لأن عموم الحديث يشمل ذلك كله؛ فالمؤمن قوي في توحيده، فيجتنب الشرك صغيرَه وكبيره، ويتوكل على الله تعالى في أموره كلها، ويدعو إلى التوحيد وينشره، قوي في صلاته، فلا يفرط فيها أبدًا، يحرص على أدائها في بيوت الله تعالى، ويحرص على إتمامها بالنوافل التي تكمل ما قد ينقص منها، قوي في أداء ما أوجب الله عليه من الزكاة؛ فلا ينقص منها شيئًا، ولا يؤخرها عن وقتها، ويؤديها إلى مستحقيها، ويكمل ذلك بالصدقة المستحبة، وهكذا في صيامه وحجه وبره بوالديه، وغير ذلك، كما ينبغي أن يكون قويًّا في عمله في دنياه، ومعنى ذلك: أن يحسن فيه نيته لربه جل وعلا، فينوي كسب الرزق الحلال، ونفع إخوانه المسلمين، ومساعدة المحتاجين، ويؤدي عمله بأمانة وصدق، ويتقنه على الغاية التي يستطيعها، وبما تقدم كله يكون المؤمن قويًّا فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين الناس، فيتحقق فيه وصف المؤمن القوي من جميع جوانبه.

الفائدة الثالثة: 

    لقد جاءت الأوامر الشرعية بالحث على الاستمساك بدين الله تعالى بقوة وعزم، مع ذم الذين يعبدون الله على فتور وضعف؛ فقال تعالى: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الزخرف: 43]، والمعنى: إنك على صراط مستقيم لا عوج فيه؛ فتمسَّك به، وقال تعالى: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12]، يعني: خذ هذا الدين بجد وعزيمة من غير توانٍ ولا تكاسل، وهو أمر لذوي الهمم العالية بالاستمساك بالكتاب علمًا وعملًا، وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ))(2)، وهذا يدل على غاية الاستمساك وقوته، وأخبر الله تعالى عن دعاء المؤمنين فقال: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، فهم لم يسألوا مجرد أن يكونوا متقين، بل أئمة للمتقين، وفي المقابل يقول الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11]، قال مجاهد - رحمه الله - وغيره: (على حرفٍ) يعني: على شك، قال الطبري - رحمه الله -: ذكر الله تعالى قومًا يعبدونه على حرف، وأنهم يطمئنون بالدين إن أصابوا خيرًا في عبادتهم إياه، وأنهم يرتدون عن دينهم لشدةٍ تصيبهم فيه(3).



(1)رواه مسلم في كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، والاستعانة بالله، وتفويض المقادير لله 4/ 2052 (2664).
(2)رواه أحمد 4/ 126، وأبو داود في كتاب السنة، باب لزوم السنة 4/ 200 (4607) وهذا لفظه، والترمذي في كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع 5/ 44 (2676)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبان 1/ 178 (5)، والحاكم في المستدرك 1/ 174، والألباني في الإرواء (2455)، وصحيح سنن ابن ماجه (42).
(3) تفسير الطبري 17/ 128 بتصرف يسير.

شرح حديث إنما الأعمال بالنيّات

شرح حديث (إنما الأعمال بالنيات)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد  

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) متفق عليه.
هذا الحديث أصل عظيم في الدين ، وموضوعه الإخلاص في العمل وبيان اشتراط النية وأثر ذلك، وبه صدر البخاري كتابه الصحيح وأقامه مقام الخطبة له إشارة إلى أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل لا ثمرة له في الدنيا والآخرة. وهو أحد الأحاديث التي يدور الدين عليها قال الشافعي هذا الحديث ثلث العلم ويدخل في سبعين بابا من الفقه وقال أحمد أصل الإسلام على ثلاثة أحاديث حديث عمر الأعمال بالنيات وحديث عائشة من أحدث في أمرنا هذا وحديث النعمان بن بشير الحلال بين والحرام بين.

وفي الحديث مسائل:
الأولى: قوله (إنما الأعمال بالنيات) هذا يقتضي الحصر والمعنى إنما الأعمال صالحة أو فاسدة أو مقبولة أو مردودة بالنيات ، فيكون خبرا عن حكم الأعمال الشرعية فلا تصح ولا تحصل إلا بالنية ومدارها بالنية.وقوله (وإنما لكل امرئ ما نوى ) إخبار أنه لا يحصل له من عمله إلا مانواه به فإن نوى خيرا جوزي به وإن نوى شرا جوزي به وإن نوى مباحا لم يحصل له ثواب ولا عقاب ، وليس هذا تكرير محض للجملة الأولى فإن الجملة الأولى دلت على صلاح العمل وفساده والثانية دلت على ثواب العامل وعقابه .

الثانية : النية (لغة) القصد والعزيمة.و(اصطلاحا) هي القصد للعمل تقربا إلى الله وطلبا لمرضاته وثوابه. وتطلق النية في كلام العلماء على معنيين:
(1) نية المعمول له: أي تمييز المقصود بالعمل هل هو الله وحده لا شريك به أم غيره أم الله وغيره ، وهذا المعنى يتكلم فيه العارفون في كتبهم من أهل السلوك الذين يعتنون بالمقاصد والرقائق والإيمانيات.
وهو المقصود غالبا في كلام الله بلفظ النية والإرادة فال تعالى (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) وكذلك هو المقصود غالبا في السنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالا فله مانوى) رواه أحمد ، وهذا كثير في كلام السلف قال عمر "لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له " وقال يحي بن أبي كثير "تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل" وقال سفيان الثوري"ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي لأنها تتقلب علي" .
(2) نية العمل: أي تمييز العمل ، فلا تصح الطهارة بأنواعها ولا الصلاة والزكاة والصوم والحج وجميع العبادات إلا بقصدها ونيتها ، فينوي تلك العبادة المعينة، وإذا كانت العبادة تحتوي على أجناس وأنواع كالصلاة منها الفرض والنفل المعين والنفل المطلق ، فالمطلق منه يكفي فيه أن ينوي الصلاة ،وأما المعين من فرض ونفل فلا بد مع نية الصلاة أن ينوي ذلك المعين وهكذا بقية العبادات.
والأمر الثاني: تمييز العبادة عن العادة ،فمثلا الإغتسال يقع نظافة أو تبرد ويقع عن الحدث الأكبر وعن غسل الميت وللجمعة ونحوها ،فلا بد أن ينوي فيه رفع الحدث أو ذلك الغسل المستحب ،وكذلك يخرج الإنسان الدراهم مثلا للزكاة أو الكفارة أو للنذر أو للصدقة المستحبة أو للهدية فالعبرة في ذلك كله على النية ،وكذلك صور ومسائل المعاملات العبرة نيته وقصده لا ظاهر عمله ولفظه .ويدخل في ذلك جميع الوسائل التي يتوسل بها إلى مقاصدها فإن الوسائل لها أحكام المقاصد صالحة أو فاسدة والله يعلم المصلح من المفسد.

الثالثة: قوله"فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله"ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم مثالا من الأعمال التي يختلف صلاحها وفسادها باختلاف النيات ،وكأنه يقول سائر الأعمال تقاس على هذا المثال .والهجرة هي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من هاجر إلى دار الإسلام حبا لله ورسوله ورغبة في إظهار دينه حيث كان يعجز عنه في دار الشرك فهذا هو المهاجر إلى الله ورسوله حقا ،ومن كان مهاجرا لغرض إصابة الدنيا أو نكاح المرأة فهذا مهاجر لأجل الدنيا وليس لأجل الآخرة ولا يؤجر على ذلك،وفي قوله "إلى ما هاجر إليه" تحقير لما طلبه من أمر الدنيا واستهانة به.وسائر الأعمال كالهجرة في هذا كالجهاد والحج وغيرها ،ففي الصحيحين عن أبي موسى "أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " ، وقد ورد الوعيد في تعلم العلم لغير وجه الله كما أخرجه أحمد من حديث أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" يعني ريحها.

الرابعة: ينقسم العمل بالنسبة للرياء من حيث حكمه إلى ثلاثة أقسام:
1- أن يكون أصل العمل رياء خالصا بحيث لا يراد به إلا مراءاة المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم قال تعالى(وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ) وهذا الرياء الخالص لا يصدر من مؤمن حقا وهذا العمل حابط وصاحبه مستحق للمقت والعقوبة.
2- أن يكون العمل لله ويشاركه الرياء في أصله فالنصوص الصريحة تدل على بطلانه وحبوطه أيضا ،ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يقول الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" ،ولا يعرف عن السلف في هذا القسم خلاف بينهم.
3- أن يكون أصل العمل لله ثم يطرأ عليه نية الرياء فإن كان خاطرا ودفعه فلا يضره بغير خلاف وإن استجاب له فهل يحبط عمله أم لا:الصحيح أن أصل عمله لا يبطل بهذا الرياء وأنه يجازى بنيته الأولى ورجحه أحمد والطبري ،وإنما يبطل من عمله ما خالطه الرياء.
أما إذا خالط نية العمل نية غير الرياء مثل أخذ الأجرة للخدمة أو شيء من المعاوضة في الجهاد أو التجارة في الحج نقص بذلك الأجر ولم يبطل العمل قال أحمد : التاجر والمستأجر والمكاري أجرهم على قدر ما يخلص من نيتهم في غزاتهم ولا يكون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره.
وليس من الرياء فرح المؤمن بفضل الله ورحمته حين سماع ثناء الناس على عمله الصالح فإذا استبشر بذلك لم يضره لما روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير ويحمده الناس عليه فقال:تلك عاجل بشرى المؤمن "رواه مسلم .

الخامسة: تتفاضل الأعمال ويعظم ثوابها بحسب ما يقوم بقلب العامل من الإيمان والإخلاص ،حتى إن صاحب النية الصادقة إذا عجز عن العمل يلتحق بالعامل في الأجر قال الله تعالى( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) وفي الصحيح مرفوعا "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما" وفيه أيضا "إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر" . وإذا هم العبد بالخير ثم لم يقدر له العمل كتبت همته ونيته حسنة كاملة ففي سنن النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم ويصلي من الليل فغلبته عينه حتى أصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه".

السادسة: تجري النية في المباحات والأمور الدنيوية ،فمن نوى بكسبه وعمله الدنيوي الإستعانة بذلك على القيام بحق الله وحقوق الخلق واستصحب هذه النية الصالحة في أكله وشربه ونومه وجماعه انقلبت العادات في حقه إلى عبادات وبارك الله في عمله وفتح له من أبواب الخير والرزق أمورا لا يحتسبها ولا تخطر له على بال ،ومن فاتته هذه النية لجهله أو تهاونه فقد حرم خيرا عظيما ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد بن أبي وقاص "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك" وقال ابن القيم "إن خواص المقربين هم الذين انقلبت المباحات في حقهم إلى طاعات وقربات بالنية فليس في حقهم مباح متساوي الطرفين بل كل أعمالهم راجحة".

السابعة: الهجرة في سبيل الله من أجل الطاعات وأعظم القربات ، وهذه الشعيرة باقية إلى قيام الساعة، وتنقسم الهجرة باعتبار حكمها إلى قسمين:
1- هجرة واجبة وهي الإنتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام قال الله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) وتسقط الهجرة عن العاجز عنها قال تعالى (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا).
2- هجرة مستحبة وهي الإنتقال من بلد البدعة إلى بلد السنة ومن المعصية إلى الطاعة ، وقد كان كثير من السلف يهاجر لذلك.

• وتجوز الإقامة في بلد الكفر على الصحيح من أقوال أهل العلم بشروط:
1- أن يكون قادرا على إظهار شعائر الدين.
2- أن يأمن الفتنة على دينه.
3- أن يأمن الفساد على أهله وولده .
فإن خشي ذلك وغلب على ظنه فلا يجوز ، ومع ذلك فإن الأحوط للمؤمن عدم الإقامة في بلد الكفر إلا أن تكون المصلحة راجحة في بقائه كاشتغاله بالدعوة والتعليم وله كلمة وتأثير في الناس .
ولا يجوز مطلقا الإقامة في بلد الكفر مع انتفاء الشروط أو بعضها لغرض طلب الرزق والتوسع في المعاش أو غير ذلك ، وقد فرط بعض المسلمين هداهم الله ، ومن فعل ذلك فقد ارتكب جرما عظيما وعرض نفسه للخطر وهو باق على دينه لا يكفر إلا إذا حصل منه ما يوجب ردته والله المستعان.
 
بقلم : خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com

 

Sunday, November 17, 2019

شرح حديث ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )

شرح حديث 

من حُسنِ إسلام المرءِ تركُهُ ما لا يعنيه

(شرح الأربعين النووية)


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء: تركُه ما لا يعنيه)) حديث حسن؛ رواه الترمذي وغيره.

منزلة الحديث:
 هذا الحديث عظيم، وهو أصل كبير في تأديب النفس وتهذيبها، وصيانتها عن الرذائل والنقائص، وترك ما لا جدوى فيه ولا نفع[1].

 قال ابن رجب رحمه الله : هذا الحديث أصل من أصول الأدب[2].

 قال حمزة الكناني رحمه الله : هذا الحديث ثلث الإسلام[3].

 قال ابن عبدالبر رحمه الله : كلامه هذا صلى الله عليه وسلم من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة، وهو ما لم يقُلْه أحد قبله، والله أعلم[4].

 قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله : وهذا الحديث ربع الإسلام على ما قاله أبو داود، وأقول: بل هو نصف الإسلام، بل هو الإسلام كله[5].

 وذكر الصنعاني رحمه الله : أن هذا الحديث من جوامع الكلم النبوية، يعمُّ الأقوال، ويعمُّ الأفعال[6].

غريب الحديث:
 من حسن إسلام المرء: من كمال إسلامه.
 ما لا يعنيه: ما لا يُهِمُّه.

شرح الحديث:
((من حسن إسلام المرء: تركه ما لا يعنيه))؛ أي: من جملة محاسن إسلام الإنسان، وكمال إيمانه: تركه ما لا يُهمه من شؤون الدنيا، سواء من قول أو فعل.

قال ابن تيمية رحمه الله : ولا سيما كثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه[7]؛ اهـ.

وقيل: فإن اقتصر الإنسان على ما يعنيه من الأمور، سَلِمَ من شر عظيم، والسلامة من الشر خير[8].

وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله : إن من لم يترك ما لا يعنيه، فإنه مسيء في إسلامه[9].

وقال ابن القيم رحمه الله : وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع كله في كلمة واحدة، فقال: ((من حسن إسلام المرء: تركُه ما لا يعنيه))، فهذا يعم الترك لما لا يعني: من الكلام، والنظر، والاستماع، والبطش، والمشي، والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة، فهذه كلمة شافية في الورع[10].

كلام السلف في ترك ما لا يعني:
قال عمر بن عبدالعزيز: من عد كلامَه مِن عمله، قلَّ كلامه فيما لا ينفعه.

وقال الحسن البصري: علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه.

وقيل: من سأل عما لا يعنيه، سمع ما لا يرضيه.

وقال معروف الكرخي: كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله تعالى.

وقيل للقمان: ما بلغ بك ما نرى؟ يريدون الفضل، قال: صِدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني.

وقال الشافعي: ثلاثة تزيد في العقل: مجالسة العلماء، ومجالسة الصالحين، وترك الكلام فيما لا يعني.

وقال محمد بن عجلان: إنما الكلام أربعة: أن تذكر الله، وتقرأ القرآن، وتسأل عن علم فتخبر به، أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك.

الفوائد من الحديث:
1- ينبغي للإنسان أن يدع ما لا يعنيه؛ لأن ذلك أحفظ لوقته، وأسلم لدينه.

2- ترك اللغو والفضول دليل على كمال إسلام المرء.

3- الحث على استثمار الوقت بما يعود على العبد بالنفع.

4- البُعد عن سفاسف الأمور ومرذولها.

5- التدخل فيما لا يعني يؤدي إلى الشقاق بين الناس.

6- الحديث أصل عظيم للكمال الخلقي، وزينة للإنسان بين ذويه وأقرانه.

7- وفي الحديث حثٌّ على الاشتغال فيما يعني المرءَ من شؤون دِينه ودنياه، فإذا كان مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فمِن حُسنه إذًا اشتغالُه فيما يعنيه.

__________________________________________________________________________

[1] الجواهر اللؤلؤية شرح الأربعين النووية (123).
[2] جامع العلوم والحكم (1/ 207).
[3] تنوير الحوالك (3/ 96).
[4] التمهيد (9/ 199) شرح الزرقاني على موطأ مالك (4/ 317 ح 1737).
[5] فتح المبين (128).
[6] سبل السلام (4/ 343).
[7] مجموع الفتاوى (14/ 482).
[8] توضيح الأحكام (6/ 293).
[9] بهجة قلوب الأبرار (221).
[10] مدارج السالكين (2/ 22).

Monday, November 11, 2019

أحبُّ الأشياء الى الله

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه 

أما بعد

فمِن أحب الأشياء إلى الله تعالى

1- الحنيفية السمحة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أحبّ الأديان إلى الله تعالى : الحنيفية السَمْحَة» [ رواه أحمد وحسَّنه الألباني ] . 

2- الصلاة وبر الوالدين والجهاد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أحب الأعمال إلى الله : الصلاة لوقتها ، ثم بر الوالدين ، ثم الجهاد في سبيل الله» [ متفق عليه ] . 

3- الإيمان وصلة الرحم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أحبّ الأعمال إلى الله : إيمان بالله ، ثم صِلَة الرَّحم ، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» [ رواه أبو يعلى وحسَّنه الألباني ] . 

4- المداومة على الطاعات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ» [ متفق عليه ] . 

5- ذكر الله عز وجل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أحب الأعمال إلى الله ، أن تموت ولسانك رطب من ذِكْر الله» [ رواه الطبراني وحسَّنه الألباني ] . 

6- المساجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «أحبّ البلاد إلى الله مساجدها ؛ وأبغض البلاد إلى الله أسواقها» [ رواه مسلم ] . 

7- كلمة الحق عند سلطانٍ جائر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أحبّ الجهاد إلى الله كلمةُ الحق تقال لإمامٍ جائر» [ رواه أحمد وحسَّنه الألباني ] . 

8- صدق الحديث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «أحبّ الحديث إليّ أصْدقه» [ رواه البخاري ] . 

9- صيام وصلاة داود عليه السلام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أحبّ الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وأحبّ الصلاة إلى الله صلاة داود ، كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه» [ متفق عليه ] . 

10- تكاثر الأيدي على الطعام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أحبُّ الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي» [ رواه ابن حبان وحسَّنه الألباني ] . 

11- قول سبحان الله وبحمده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد : سبحان الله وبحمده» [ رواه مسلم ] . 

12- أقوال: سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «أحب الكلام إلى الله تعالى أربع : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . لا يضرُّك بأيِّهن بدأت» [ رواه مسلم ] . 

13- حَسَنُ الخُلُق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خُلُقاً» [ رواه الطبراني وصحَّحه الألباني ] . 

14- التسمية بعبدالله وعبدالرحمن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أحب الأسماء إلى الله عبدالله وعبدالرحمن» [ رواه مسلم ] . 

15- نَفْع الناس وإدخال السرور على المسلمين وكَشْف الكُرُبات ، وقضاء دَيْن المَدِين ، وإطعام الجائع ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحبّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربةً ، أو تقضي عنه دَيناً ، أو تطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً ، ومن كفَّ غضبه سَتَرَ الله عورته ، ومن كَظَمَ غيظاً ولو شاء أن يُمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة ، ومَن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له ، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزلُّ الأقدام ، وإن سوء الخُلُق ليُفْسد العمل كما يُفْسد الخلُّ العَسَل» [ رواه ابن أبي الدنيا وحسَّنه الألباني ] .

سبحان ربّك ربّ العزة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما

شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما : إحفظ الله يحفظك

     عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات، وهو من المكثرين، ولُقِّب بترجمان ا...