Tuesday, April 7, 2020

شرح حديث المُفلس

    عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتَدْرُونَ مَا المُفْلِسْ؟ قَالُوا: المُفْلِسُ فينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا متَاع، فقال: «إنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ القِيامَة بِصَلاةٍ وصِيَامٍ وزَكَاةٍ، ويَأْتي قَدْ شَتَمَ هَذا، وقَذَفَ هَذَا، وأكَلَ مَالَ هَذَا، وَسفَكَ دَمَ هَذا، وضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وهَذا مِنْ حسَناتهِ، فإنْ فَنِيتْ حسَناتُه قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عَلَيْه أُخِذَ مِنْ خَطَاياَهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثمّ طُرِحَ في النَّارِ» أخرجه مسلم

الشرح:
    
       في هذا الحديث يطرح الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه سؤالًا بقوله: «ما المفلس» وذلك حتى يشوّقهم لسماع الإجابة. فقالوا: من لا درهم له ولا متاع. هذا هو المفهوم المتعارف عليه بين الناس، فصحّح لهم - صلى الله عليه وسلم - المفهوم الصحيح للمفلس، فذاك وإن كان مفلسًا في الدنيا، فإن المفلس الحقيقي هو مفلس الآخرة، من يأتي بأعمال صالحة من صلاة وصيام وزكاة، ولكنه يأتي بما يُذهبها، «يأتي قد شتم هذا وقذف هذا....» فهو قد اعتدى على غيره وظلمه، وقد حذّر الله عزّ وجلّ منه، ومن عاقبة الظالمين في أكثر من آية، فقال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:٤٢]، وقال تعالى: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [الحج:٧١]، وقال: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر: 18] ، وقال في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا...»، وحذّر منه - صلى الله عليه وسلم - في عدة أحاديث منها: «إن الله ليملي الظالم فإذا أخذه لم يُفلته. ثم قرأ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:١٠٢] ، وقال: «الظلم ظلمات يوم القيامة»، وقال: «من ظلم قِيد شبر طُوّقه من سبع أرضين»، وقال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرّم عليه الجنة»، فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ فقال: «وإنْ قضيبًا من أرَاك».

وحذّر من دعوة المظلوم «..واتّقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».

حتى ولو كان هذا المظلوم فاجِرًا: «دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرًا؛ ففجوره على نفسه»، وأوجب رد المظالم إلى أهلها «من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلّله منها، فإنه ليس ثَمّ دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات أخيه فطُرحت عليه».

فيا شقاء وبؤس من يأتي يوم القيامة بهذه الأعمال الصالحة، ثم يرى تلك الحسنات تُؤخذ منه شيئًا فشيئَا حتى تفنى، ليس هذا فحسب؛ بل بعد ذلك يؤخذ من سيئاتهم فتُطرح عليه ثم يطرح في النار! أعاذنا الله منها.

واعلم أن الظلم ثلاثة أنواع: «نوع لا يغفره الله، وهو الشرك بالله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء: ١١٦]، ونوع لا يترك الله منه شيئاَ، وهو ظلم العباد بعضهم لبعض، فمن كمال عدله أن يقتص بعضهم من بعض بقدر مظالمهم. ونوع تحت مشيئة الله، إن شاء عاقب عليه، وإن شاء عفا عن أهله، وهو الذنوب التي بين العباد وبين ربّهم فيما دون الشرك».

ما يستفاد من الحديث:

1- حرصه - صلى الله عليه وسلم - على توجيه أمّته لما فيه صلاحهم.
2- طَرْحُ الأسئلة على السامع ليتشوّق للإجابة، من وسائل التعليم النافعة.
3- تصحيحه - صلى الله عليه وسلم - للمفاهيم
4- التحذير من الظلم بأنواعه، واستحضار عاقبته.

5- تَجِبُ المبادرة إلى ردّ مظالم العباد قبل فوات الأوان.

No comments:

Post a Comment

شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما

شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما : إحفظ الله يحفظك

     عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات، وهو من المكثرين، ولُقِّب بترجمان ا...